آداب الممارسة الطبّية وأخلاقيّات المهنة
الأخلاقيات الطبية عبر التاريخ: تخضع ممارسة والمهن الطبية في العالم وعبر العصور والتاريخ لمجموعة من الضوابط والمعايير، التي تضبط العمل الطبي وذلك لقدسيته وأهميته. سنذكر في هذه المقالة نبذة تاريخية عن آداب الممارسة الطبية وأخلاقيات المهنة .
عند قدماء المصريين: إن المصريين كانوا يعالجون الأمراض طبقا للقواعد المقررة التي وضعها كبار الأطباء.وكان على الطبيب أن يسير بمقتضاها، وعند ذلك لا يتعرض للمسؤولية حتى لو مات المريض ومن كان يخالف تلك القواعد فإنه يعاقب بالإعدام لأن المشرع كان يرى أنه قل في الناس من يستطيع أن يصل إلى وسيلة علاجية أحسن من الوسائل التي وضعها أساطين الطب في تلك العصور.
عند قدماء اليونان: إن الطبيب كان يسمح له بتغيير العلاج المقرر إذا لم يلاحظ تحسنا في حالة المريض على هذا العلاج، في مدى أربعة أيام.فإذا توفي المريض،بسبب هذا العلاج المخالف لما جاء في الكتاب المقدس، فإن الطبيب يدفع رأسه ثمنا لجرأته على نصيحة حياة مواطن في سبيل أمل خاطئ.
عند قدماء الرومان: نص القانون الروماني على أنه إذا أعطي دواء للشفاء من مرض فتوفي المريض بسبب هذا الدواء فإن كان الطبيب من طبقة راقية فإنه يعفى من العقاب ويعدم إذا كان من طبقة وضيعة
عند قدماء اليهود: أما عند اليهود القدماء فلم يسمح للطبيب أن يمارس مهنته إلا بعد أخذ إذن بذلك من مجلس القضاء المحلي.
قَسَم الطبيب:
قَسَم أبقراط:
460- 357 ق. م:أقسم.. على الوفاء بهذا اليمين حسب قدرتي وحكمي على الأشياء:تبليغ ونشر المعارف الخاصة بهذه المهنة بإسداء المشورة وإلقاء المحاضرات وكل طريقة أخرى للتعليم إلى أولئك الذين ارتبطوا بقسم وفقا لقانون الطب ولكن ليس لأحد غيرهم.وسوف أتبع نظام التغذية الذي أعتقده وفقا لقدرتي ومدى حكمي على الأشياء ذات المنفعة لمرضاي وأمتنع عن كل شيء ضار أو مؤذ لهم ولن أعطي دواء مميتا لأي شخص إذا طلب مني ذلك ولن أشير أيضا بمثل هذه المشورة وسأحفظ نفسي في معيشتي وفي ممارسة مهنتي على الطهارة وعفة النفس.. وأينما حللت توخيت منفعة المريض وسأمتنع عن أي فعل إرادي يستهدف الأذى أو الفساد.وأي شيء أراه أو أسمعه في حياة الناس مما له صلة بممارسة مهنتي أو لا صلة له بها فلن أتحدث عنه في الخارج ولن أبوح به على اعتبار أن جميع ذلك يجب أن يبقى سراً ومادمت حافظاً لهذا القسم غير حانث به فليكتب لي التمتع بالحياة وممارسة مهنتي وكسب تبجيل جميع الناس وفي كل الأزمنة أما إذا انتهكت أو حنثت فليكن العكس هو جزائي .
قَسَم الأطبّاء المصريين في عهد محمد علي:
أقسم بالله العظيم ونبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم:على أن أكون أميناً وحريصاً على شروط الشرف والبر والصلاح فيتعاطي صناعة الطب وأن أسعف الفقراء مجانا، ولا أطلب أجرة تزيد عن أجرة عملي وأني إذا دخلت بيتا فلا تنظر عيناي ماذا حصل فيه ولا ينطق لساني بالأسرار التي يأتمنوني عليها.ولا أستعمل صناعتي في إفساد الخصال الحميدة ولا أعاون بها على الذنوب.ولا أعطي سما البتة ولا أدل عليه ولا أشربه، ولا أعطى دواء فيه ضرر على الحوامل ولا إسقاط لهن.وأكون موقرا وحافظا للمعروف مع الذين علموني ومكافئا لأولادهم بتعليمي إياهم ما تعلمته من آبائهم.فما دمت حريصا على عهدي وأمينا على يميني فجميع الناس يعتبرونني ويوقروني وإن خالفت ذلك فأكون محتقرا والله على ما أقول شهيد.
قَسَم الطبيب في الدول الإسلاميّة اليوم:
أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها. في كل الظروف والأحوال باذلا وسعي في استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق وأن أحفظ للناس كرامتهم. وأستر عورتهم. وأكتم سرهم وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلا رعايتي الطبية للقريب والبعيد،والصالح والخاطئ، والصديق والعدو وأن أثابر على طلب العلم وأسخره لنفع الإنسان لا لأذاه. وأن أوقر من علمني.وأعلم من يصغرني. وأكون أخا لكل زميل في المهنة الطبية متعاونين على البر والتقوى. وأن تكون حياتي مصداق إيماني في سري وعلانيتي نقية مما يوشي لها تجاه الله ورسوله والمؤمنين.والله على ما أقول شهيد.
آداب الممارسة الطبية في الدول الغربية
· الإعلان العالمي (إعلان هلنسكي) لحقوق الإنسان 1948.
· إعلان اليونسكو لكل من له علاقة بالمهن الطبية والصحية 2005.
· توم بوشامب وجيمس تشايلدرس 1978.
ترتكز مبادئ ممارسة المهن الطبية وفق هذه الإعلانات على :
1- احترام الحكم الذاتي Autonomy: هو حق الفرد بتقرير مصيره.
2- الفائدة Beneficence: إجراء أقصى ما يمكن لجعل المريض جيداً.
3- عدم الإيذاء Non-Maleficence: نجحت العملية لكن مات المريض!.
4- العدالة Justice: الأولوية في العلاج.
اختلال التوازن بين:
1- عدم الإيذاء& احترام حقوق الإنسان: الموت الرحيم.
2- عدم الإيذاء& الفائدة: استخدام المورفين عند مرضى السرطان.
نقاط أخرى هامة
1- الخصوصية: Privacy.أهم ما فيها الاحتفاظ بأسرار المريض.
2- الموافقة المستنيرة: Informed consent.قبل الفحوص والإجراءات الطبية.
3- قضية الطفلة Baby K case: ولدت الطفلة ستيفاني كيني عام 1992في فرجينيا بالولايات المتحدة، وتوفيت عام 1995 بعد ثلاث سنوات قضت جزءاً كبيراً منها على التنفس الاصطناعي.
أخلاقيات الممارسة الطبية في الإسلام
مبادئ إسلامية في التعامل مع المرضى من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتاريخ الإسلامي:
1- الإِحسانْ:
«الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» متفق عليه. «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» صحيح مسلم. «إن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن» رواه البيهقي وحسّنه.
2- (أَيُّهمْ أَحسَنُ عَمَلاً):
سُئِل أبو علي الفضيل بن عياض عن أحسن العمل في قوله تعالى: أيّهم أحسن عملاً فقال: أحسن العمل: أخلصه وأصوبه. قيل له: ما أخلصه وما أصوبه؟ فقال: إن الله لا يقبل العمل ما لم يكن خالصاً صواباً، فإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، وإذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وخلوصه أن يكون لله، وصوابه أن يكون على السنّة.
3-أَولويَّة العِلم على العَمَلْ:
– أفتى الصّحابة لرجل به جراحة أصابته جنابة أن يغتسل فضرّته وكانت سبباً في موته فقال صلّى الله عليه وسلم: «قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العيّ السؤال، إنّما كان يكفيه أن يتيمّم»، صحيح الجامع الصغير.
– «القضاة ثلاثة: اثنان في النّار، وواحد في الجنّة، رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنّة، ورجل قضى للنّاس على جهل: فهو في النّار…»، صحيح الجامع الصّغير.
– قال ابن سيرين: [لأن يموت الرجل جاهلاً خيرٌ له من أن يقول ما لا يعلم].
– قال عمر بن عبد العزيز: [من عمل في غير علم كان ما يُفسد أكثر مما يُصلح].
– قال الحسن البصري: [اطلبوا العلم طلباً لا يضرُّ بالعبادة، واطلبوا العبادة طلباً لا يضرُّ بالعلم، فإن قوماً طلبوا العبادة وتركوا العلم، حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم، ولو طلبوا العلم لم يدلّهم على ما فعلوا].
4- (وأَنْ تَقولواْ عَلَى النَّاسِ مَاْ لَاْ تَعلَمونْ):
– وضع البخاري باباً في كتاب العلم من جامعه الصحيح عنوانه: [باب العلم قبل العمل].
– خصّص الشيخ يوسف القرضاوي فصلاً من كتابه: [في فقه الأولويّات] عنوانه: [أولويّة العلم على العمل].
5-المسؤوليّة:
– «كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّتهِ» صحيح البخاري.
– «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له».
– صعد ابن مسعود يوماً شجرة، فظهرت ساقاه، وكانتا دقيقتين نحيلتين، فضحك بعض الصحابة من ذلك، فقال النبي –صلّى الله عليه وسلم-: «أتضحكون من دقّة ساقيه؟ والذي نفسي بيده: لهما أثقل في الميزان من جبل أحد».
6-مراعاة الحالة النفسيّة للمرضى:
مصارحة المريض بمرضه بحكمة ولطف.
«من فرج عن مسلم كربةً من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربةً من كربات يومِ القيامة» صحيح البخاري.
«تبسّمك في وجه أخيك صدقة».
الحفاظ على ستر المريض ومراعاة حيائه
«لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته».
«والحياء شعبة من الإيمان»صحيح البخاري.
«لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» صحيح البخاري.
«من ستر مسلماً سترهُ الله في الدّنيا والآخرة»صحيح البخاري.
7-الاستماع إلى المريض بأذن صاغية:
جاء عتبة بن ربيعة إلى النبي -صلّى الله عليه وسلم- فقال له: يا ابن أخي فقال -صلى الله عليه وسلم- يا أبا الوليد أسمع فقال له عتبة ما قال حتى إذا فرغ قال له النبي -صلى الله عليه وسلم: أو قد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع مني فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- يتلو عليه من سورة فصلت…
وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمْ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونْ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِيْنَ،
وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِيْن